روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | الكســاد يوم الحصــاد!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > الكســاد يوم الحصــاد!


  الكســاد يوم الحصــاد!
     عدد مرات المشاهدة: 2200        عدد مرات الإرسال: 0


قال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم:14].

أهل الكفر والإشراك لهم أعمال يجهدون فيها وينصبون، ويوجعون ويألمون، كما وصفهم الباري عزَّ وجلَّ فقال: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ} [الغاشية:3]، لكن لأنَّ هذه الأعمال لم تؤسَّس على التوحيد والتقوى، ولم تؤد إتِّباعا للسنَّة ولا رجاء للمثوبة، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يقبلها، ولا ينظر إليها، ولا يزكِّيها، كما قال عزَّ شأنه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان:23].

ولقد شبهها الله عز وجل في ذهابها وتفرقها بالرماد تارة، وبالسراب تارة، وبالظلمات تارة أخرى، فقال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم:18].

فهذه الآية تشبِّه أعمال الكافرين والمشركين برماد إشتدت به الريح في يوم عاصف، فالمثل هنا للأعمال لا للأعيان، يقول ابن جرير: المثل للأعمال ولكنَّ العرب تقدم الأسماء لأنَّها أعرف، ثم تأتي بالخبر الذي تخبر عنه مع صاحبه، ومعنى الكلام: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد. -تفسير الطبري 7/430.

إنَّ الإيمان بالله عزَّ وجلَّ ربًّا خالقا، وإلها معبودا، ثم التقرُّب إليه سبحانه بالأعمال الصالحات على هدي مرسليه، هو أساس القبول، وطريق الوصول، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الأعمال بالنيات، وإنَّما لكل امرئ ما نوى» صحيح البخاري، رقم 1، فالإيمان قيد لابد منه، كما قال جلَّ شأنه: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [الإسراء:19]، ومفهوم المخالفة أنَّ من لم يرد بسعيه الآخرة، ولم يؤمن، فلا شكر لسعيه ولا كرامة، من هنا جاء التَّشبيه لأعمال الكفار.

والكافر قد يعمل من الأعمال الصالحات، كإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، ومداواة الجرحى، وغير ذلك من أعمال البر والإحسان التي لها أكبر الأجر والثواب إن قامت على قاعدة الإيمان، لكنَّها لما إفتقدت هذه القاعدة الراسخة الركينة لم تثبت على شيء فذهبت أدراج الرياح، يقول ابن كثير: بنوا أعمالهم على غير أساس صحيح فإنهارت، وعدموها أحوج ما كانوا إليها -تفسير ابن كثير 2/694.

وقد بيَّنت الآية الكريمة من خلال التَّشبيه وتركيبه كيف تفرَّقت هذه الأعمال شذر مذر، فلم يبق منها من أثر، ولا ترى لها من باقية، ونلمح هذا التفرُّق والإنتهاء وشدَّته من خلال نظرنا للمشبَّه به، فالرماد بطبيعته هباء كالهواء، وهو صغير الأجزاء كالذر، لا تكاد تجمع منه قطعة، ولا يقوى على البقاء من دون إناء يحويه ويحميه، وقد يتطاير ويتلاشى بغير ريح أصلا، أو بأقلِّ الريح وأخفِّه، فكيف به -وهذه حاله- إذا اشتدَّت به الريح في يوم عاصف؟ هذه أعمال الكافرين والمشركين في تشتُّتها وتفرُّقها وإختفائها وزوالها يومئذ، وقد مرَّ بنا قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان:23].

والتَّشبيه بالرماد كذلك له دلالة أخرى بليغة، فهو شيء ساقط لا وزن له ولا فائدة، ولا قيمة، وهو بحد ذاته مكروه عند الناس، ويدلُّ على المحل والجدب، ومنه قالوا: عام الرمادة وكان سنة 18هـ في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأصاب الناس فيه قحط حتى صارت وجوههم في لون الرماد من الجوع، وقيل كانت الريح تسفي ترابا كالرماد لشدة يبس الأرض -انظر: نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري 1/160، وربما إستعملوه للإستخفاف والهوان، أو عبَّروا به عن الخيبة والخسران، ومن عادات الجَهَلة أن تضع الثكلى الرماد على رأسها، فأعمال الكافرين والمشركين لو شبِّهت بالرماد فحسب لكفى بذلك وصفا شنيعا معيبا.. نعوذ بالله من كساد يوم الحصاد.

المصدر: موقع دعوة الأنبياء.